يتطلع تنظيم «داعش» الإرهابي للعودة إلى ساحة المعركة والساحة العالمية، مختبراً مجتمعاً عالمياً هشاً يحارب فيروس كورونا منشغلاً عن معركته ضد التطرف.
وتحذّر الأمم المتحدة وخبراء من أن التنظيم يستغل عبء الوباء على الحكومات المحلية وانكفاء القوى العالمية على شؤونها الداخلية من أجل تكثيف هجماته وتجنيد أعضاء جدد، والعودة من جديد من المناطق النائية للضرب في العالم العربي وأفريقيا.
استيقاظ «داعش» من جديد لا يكشف عن هشاشة الوضع الراهن فحسب، وإنما يكشف أيضاً تطور التنظيم المتطرف كحركة.
فبعد ثلاث سنوات على تدمير ما يسمى «دولة الخلافة» وتفكيك قيادته التنظيمية من قبل ائتلاف تقوده الولايات المتحدة، أظهر التنظيم الإرهابي منذ شهر مارس تجدد قوته، حيث شنّ عشرات الهجمات في كل من العراق وسوريا ومصر وغرب أفريقيا.
ومما جاء في تحذير لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي أنه «منذ مارس 2020 تقريباً، أصبح وباء كورونا (كوفيد 19) عاملاً في أنشطة داعش المتعلقة بالعمليات والدعاية وجمع الأموال».
وقال تقرير للأمم المتحدة موجه لمجلس الأمن الدولي إن «تنظيم داعش يعمل على تعزيز وجوده في العراق وسوريا.. ويُظهر ثقة في قدرته على الاشتغال على نحو متزايد بطريقة جريئة في المنطقة».
ويشير خبراء قلقون إلى قدرة تنظيم «داعش» الإرهابي على التنقل بحرية بين شرق سوريا وغرب العراق -وهي منطقة وقعت تحت حكم ما يسمى «دولة الخلافة» في الماضي- والدخول إلى البلدات والقرى بسهولة نسبية. ويبلغ عدد مقاتليه نحو 10 آلاف، وفق تقديرات الأمم المتحدة ومحللين أمنيين.
ويقول حسن حسن، مدير برنامج «اللاعبين من غير الدول والأوضاع الجيوسياسية بمركز السياسة العالمية في واشنطن»: «جاء الوباء في وقت كانت فيه الظروف متوافرة على الأرض في العراق وسوريا وسمحت لداعش بالاستفادة».
وأردف قائلاً: «لقد جاء الوباء وسط مشاكل سياسية وأمنية كانت موجودة أصلاً في العراق وسوريا وفراغ تركته إدارة ترامب وراءها»، مضيفاً «أضف إلى هذا حقيقة أنه بسبب الوباء، فإن آخر ما يفكر فيه الناس الآن هو داعش».
وبالفعل، يكافح العراق مع ارتفاع في حالات الإصابة بفيروس كورونا. وعبر سوريا، وعلى الرغم من الإحصائيات الحكومية التي تزعم العكس، إلا أن الفيروس يضرب عدداً من المناطق، وفق مواطنين والأمم المتحدة ومسؤولين صحيين في البلدان المجاورة. كما تشهد سوريا ولبنان أيضاً انهياراً اقتصادياً، وفي معظم العالم العربي، يعاني السكان تحت وطأة الكلفة الاقتصادية للإغلاق وارتفاع البطالة.
ومع انهيار قطاعات الصحة والاقتصادات، يُبرز خبراء ما يسمونه «تناظراً» بين التنظيم المقاتل والفيروس الخبيث. فكوفيد 19، كما يقولون، يجسّد ما يحاول تحقيقه «داعش» من خلال هجماته ودعايته، فاضحاً انعدام المساواة، وحرمان مناطق من الحقوق، وإخفاقات الدولة.
وفي هذا السياق، يقول حسن أبو هنية، الخبير الأردني في الحركات الإسلامية والمتطرفة من عَمان: «رغم أن الائتلاف الذي قادته الولايات المتحدة ركّز على احتواء داعش وتفكيكه، إلا أنه لم يعالج أبداً التظلمات الأصلية وجذور المشكلة في البلدان العربية والتي سمحت بظهوره أصلاً»، مضيفاً «فيروس كورونا يعرّي هذه الأشياء الآن من جديد ويفاقمها».
وفي الأثناء، تخفض الانتكاسات السياسية والأمنية في العراق درجة مقاومة تنظيم «داعش» الإرهابي، إذ يقول خبراء ومحللون إن الاقتتال الطائفي بين الميليشيات الشيعية والكردية والسنية خلق فراغات في السلطة محلياً، ما سمح لـ«داعش» بملئها، بما في ذلك شمال بغداد وفي المناطق المتنازع عليها بالقرب من كردستان العراق.
وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة العراقية، في عهد رئيس وزراء جديد، مصطفى الكاظمي، منشغلة بمعركة صعبة ضد الميليشيات الشيعية القوية التي ترفض التخلي عن أسلحتها أو قبول سلطة حكومة مركزية. وفي بغداد، تتواصل الاحتجاجات ضد الفساد ونفوذ الميليشيات. وفي غضون ذلك، توقفت إلى حد كبير العمليات المشتركة التي تنفذها بلدان من المنطقة ضد تنظيم «داعش» مع القوات الأميركية وسط توترات مع الميليشيات المدعومة من إيران عقب اغتيال قاسم سليماني في بغداد في يناير الماضي.
والواقع أن الضربة الأميركية لم تُحدث اضطراباً في تعاون أميركا الهش مع الميليشيات الشيعية ضد تنظيم «داعش» فحسب، وإنما تسببت أيضاً في موجة من الهجمات الانتقامية التي دفعت الولايات المتحدة إلى التراجع إلى قواعد لا تقع على الخط الأمامي، ما أدى إلى توقف العمليات الأميركية- العراقية والأميركية- الكردية. ويشير محللون إلى أن الخبرة الأميركية في عمليات محاربة التمرد أساسية الآن من أجل الحؤول دون عودة «داعش» من جديد، وباتت مفتقَدة بشكل خاص.
ويقول «حسن» من مركز السياسة العالمية: «إن حقيقة أن داعش يستطيع الاشتغال بحرية تقريباً في فضاء واسع وشاسع في العراق وسوريا من دون دعم شعبي إنما يشي بالكثير بخصوص عدم قدرة العراق على تأمين نفسه... من دون انخراط أميركي».
أما «أبو هنية»، الخبير الأردني، فينظر إلى الأمر نظرة أبعد إذ يقول: «ينبغي ألا ينسى الغرب والعالم أنه سبق لداعش أن مر من هذه المرحلة والتحول من قبل»، مضيفاً «ففي 2009، بعد أن أدت الزيادة في عديد الجنود الأميركيين وحركات (الصحوات) السنية إلى طرد تنظيم القاعدة في العراق وأرغمته على التراجع إلى المناطق النائية في الصحراء، أعاد التنظيمُ رصّ صفوفه، وتكيّف مع الوضع الجديد، وانتظر الفرصة المناسبة من أجل العودة في صورة تنظيم داعش في 2014». إنه التاريخ يعيد نفسه!.
*محلل سياسي أميركي متخصص في الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»